انتخب أعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورج مفوضية أوروبية جديدة، وحصل الفريق المقترح من قِبَل رئيسة المفوضية الألمانية أورسولا فون دير لاين على الأغلبية اللازمة، حيث صادق على تعيين 26 مفوضًا ومفوضة بـ 370 صوتًا مؤيدًا، مقابل 282 صوتًا معارضًا و36 امتناعًا عن التصويت. وحصل فريق فون دير لاين على دعم من كتلتها، حزب الشعب الأوروبي (EVP)، الذي يضم حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، إضافة إلى دعم واسع من الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين. كما أعلن بعض أعضاء الخضر والسياسيين اليمينيين من كتلة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن نيتهم التصويت لصالح المفوضية الجديدة. ويمكن للمفوضية الأوروبية الجديدة بقيادة أورسولا فون دير لاين أن تبدأ عملها في الأول من ديسمبر 2024م.
قبل التصويت، طلبت أورسولا فون دير لاين من النواب دعم فريقها. ووعدت في ولايتها الثانية، بالتعاون “مع جميع القوى الديمقراطية المؤيدة لأوروبا” في البرلمان الأوروبي. وأكدت أن التوصل إلى حلول وسط هو السمة المميزة لكل ديمقراطية حية. وتعرض ترشيح فون دير لاين السياسي الإيطالي اليميني رافاييل فيتو، ليكون أحد نواب الرئيس الستة في المفوضية الجديدة، لانتقادات حادة من الكتلة اليسارية الوسطى. حيث يتيح المنصب الذي سيتولاه الاشراف على تنمية الأقاليم، مما يجعله مسؤولًا عن إدارة مليارات من اليورو من أموال الدعم الأوروبي. وأكدت فون دير لاين للنواب: “هذا قرار اتخذته بنفسي”. يُذكر أن فيتو ينتمي إلى حزب أخوة إيطاليا (Brothers of Italy)، الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. من جهة أخرى، اثار اختيار فون دير لاين لفيتو الجدل حول احتمال أن يشكل الديمقراطيون المسيحيون في البرلمان الأوروبي تحالفات مستقبلية مع الشعبويين اليمينيين لتحقيق الأغلبية.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية عن مشاريع كبيرة جديدة. حيث وعدت أورسولا فون دير لاين بإعادة تنشيط الاقتصاد الأوروبي المتعثر، مشيرة إلى أن “حريتنا واستقلالنا يعتمدان أكثر من أي وقت مضى على قوتنا الاقتصادية”، وذلك في ظل المنافسة مع الولايات المتحدة والصين. وأوضحت أن المفوضية ستقترح قوانين تهدف إلى تسهيل وصول الشركات الناشئة الرقمية إلى الاستثمارات. كما أوكلت إلى نائبيها، ستيفان سيجورنيه وتيريزا ريبيرا، مهمة إعداد حزمة قوانين تهدف إلى تحويل الصناعة الأوروبية للعمل بالكهرباء والهيدروجين، بما يجعلها أكثر صداقة للبيئة. كما ستعمل المفوضية على تعزيز إعادة تدوير المواد الخام الأساسية. وفيما يتعلق بصناعة السيارات الأوروبية المتعثرة، أعلنت فون دير لاين عن بدء حوار مع ممثلي القطاع. وقالت: “صناعة السيارات الأوروبية هي فخر أوروبا، وتعتمد عليها ملايين الوظائف. علينا أن نضمن استمرار إنتاج سيارات المستقبل في أوروبا”.
في ظل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، دعت أورسولا فون دير لاين إلى زيادة الإنفاق الدفاعي. وأشارت إلى أن روسيا تخصص ما يصل إلى 9% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، بينما تنفق دول الاتحاد الأوروبي 1.9% فقط. وقالت: “هناك خلل في هذه المعادلة، ويجب أن يرتفع إنفاقنا الدفاعي”.
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أن تعزيز صناعة الدفاع أمر ضروري، وأنه يجب تنفيذ مشاريع دفاعية أوروبية مشتركة. ولتحقيق ذلك، عينت رئيس الوزراء الليتواني السابق أندريوس كوبيلوس كأول مفوض أوروبي للدفاع. كما أكدت أن كوبيلوس ومسؤولة الشؤون الخارجية الجديدة كايا كالاس سيقدمان في أول مئة يوم من توليهما المنصب وثيقة استراتيجية للدفاع.
وكانت المفوضية الأوروبية قد قدرت الاحتياجات الإضافية للدفاع بـ 500 مليار يورو على مدى عشر سنوات. ومع ذلك، يظل تمويل هذه الخطط مثار جدل، حيث رفضت ألمانيا مؤخرًا إصدار ديون مشتركة جديدة كما حدث خلال جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يصبح من الأصعب تمرير تدابير لمواجهة تغير المناخ في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يُتوقع تصاعد الضغوط للحد من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر. الى جانب ذلك، أضاف انتخاب دونالد ترامب كرئيس قادم للولايات المتحدة تحديًا إضافيًا. فقد هدد ترامب الاتحاد الأوروبي بـدفع “ثمن باهظ” في شكل رسوم جمركية، بدعوى أن الأوروبيين لا يستوردون بما يكفي من الولايات المتحدة.
وتُعد المفوضية الأوروبية، التي تضم جهازًا يضم حوالي 32,000 موظف، المؤسسة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تقترح القوانين لدول الاتحاد وتراقب الالتزام بالقوانين الأوروبية. وقد حصلت جميع الدول الـ 27 الأعضاء على حق ترشيح مرشح أو مرشحة على الأقل لشغل منصب مفوض. وبسبب وجود أورسولا فون دير لاين على رأس المفوضية، لا يوجد مفوض ألماني إضافي. وكان تم اعادة انتخاب فون دير لاين كرئيسة للمفوضية في يوليو الماضي.