تحظى يمثل الوضع في سوريا أهمية كبيرة لألمانيا، وذلك لتأثيرات هذا الملف على التفاعلات السياسية والأمنية إقليميا ودوليا، وكذلك لما يمثله من انعكاسات على الوضع الداخلي في المانيا وخاصة ملف اللاجئين والذي يمثل أحد أهم الملفات المؤثرة على الانتخابات الألمانية القادمة.
وفي الوقت الذي عبرت فيه ردود الفعل الرسمية الألمانية بصورة عامة عن الارتياح لسقوط بشار الأسد، فإن هناك وبصورة واضحة تحفظ تجاه الوضع المقبل مع وجود مؤشرات مهمة لتقبل المكونات السياسية والعسكرية الفاعلة في اسقاط بشار الأسد.
المستشار الألماني اولاف شولتس:
صرح المستشار الألماني أولاف شولتس فور الإعلان عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ” تُمثل نهاية حكم الأسد لسوريا خبرا جيدًا، المهم الآن هو استعادة القانون والنظام بسرعة في سوريا، يجب أن تتمتع جميع الطوائف الدينية وجميع الأقليات بالحماية، الآن وفي المستقبل” وفي بيان أصدره شولتس بُعيد سقوط الأسد، وصف خبر السقوط بالخبر الجيد داعياً إلى الحفاظ على حقوق الأقليات، مضيفاً أنه سيحكم على من هم في السلطة في المستقبل بحسب أفعالهم.
وفي تصريح اخر قال المستشار الألماني ان المانيا تقف اليوم إلى جانب جميع السوريات والسوريين الذين يملؤهم الأمل في بناء سوريا حرة وعادلة وآمنة، مشددا على ضرورة إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا وبأنه أمر ممكن وبأن المانيا ستسهم في ذلك بالتعاون مع الشركاء الدوليين وعلى أساس قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأضاف إن الأسد قمع شعبه بوحشية، ويتحمّل مسؤولية عددٍ لا يُحصى من الضحايا، ودفع عدداً كبيراً من الأشخاص إلى الفرار من سوريا، وصل كثير منهم إلى ألمانيا، في الوقت نفسه، شدد شولتس على ضرورة استعادة القانون والنظام سريعاً في سوريا وتوقّف التدخّل الأجنبي فيها وبأن وحدة أراضي سوريا وسيادتها عنصران أساسيان لمستقبلها.
كما أشار الى ضرورة أن تستفيد جميع الطوائف الدينية وجميع الأقليات من الحماية، مؤكدا على ضرورة العمل من أجل حل سياسي للنزاع في سوريا مع الشركاء الدوليين وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي يدعو إلى إجراء مفاوضات بهدف تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، كما أكد المستشار بأن ألمانيا ستقدم مساهمتها في هذا الإطار، دون أن يخوض في تفاصيل.
كما جرى اتصال بين المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعيد سقوط نظام بشار الأسد لمناقشة الوضع في سوريا وتحديدا لبحث إمكانية التعاون مع قادة البلاد الجدد بحسب بيان المستشارية والذي جاء فيه أيضا ان المستشار الألماني والرئيس الفرنسي “اتفقا على الاستعداد للتعاون مع القادة الجدد على أساس حقوق الإنسان الأساسية وحماية الأقليات العرقية والدينية
وجاء في البيان ان الزعيمان شددا مجددا على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها وأضاف أن المستشار الألماني والرئيس الفرنسي اتفقا على العمل معا لتعزيز انخراط الاتحاد الأوروبي في سوريا وذلك من خلال دعم عملية سياسية شاملة مع التنسيق مع الدول الشريكة في الشرق الأوسط.
وزيرة الخارجية انالينا بيربوك:
صرحت السيدة انالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية فور الإعلان عن سقوط نظام بشار الاسد معبرة عن ارتياحها الكبير لهذا التطور مؤكدة أن نهاية الأسد تعني أن ملايين الناس في سوريا يمكنهم أن يتنفسوا الصعداء مرة أخرى بعد عصر من الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد.
وأشارت في بيانها الى ان نظام الأسد قد قُتل عدة مئات الآلاف من السوريين في الحرب الأهلية، وفر الملايين من البلاد، وبأن الأسد ارتكب القتل والتعذيب واستخدم الغاز السام ضد شعبه، ويجب أن يُحاسب أخيرًا على هذه الأفعال.
كما جاء في بيانها بخصوص القوى المسيطرة على الأوضاع في سوريا حاليا ” لا ينبغي للبلاد أن تقع في أيدي متطرفين آخرين الآن – بغض النظر عن الهيئة التي يتخذونها، وبالتالي فإننا ندعو الأطراف المتصارعة إلى الوفاء بمسؤولياتها تجاه جميع السوريين، وهذا يشمل توفير الحماية الشاملة للأقليات العرقية والدينية،مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين، فضلاً عن الانخراط في عملية سياسية شاملة تحقق التوازن بين المجموعات المختلفة.”
وأضافت الوزيرة بيربوك حول موقف المانيا من التطورات ” نحن نعمل بشكل وثيق لتحقيق هذه الغاية مع الأمم المتحدة وشركائنا في الاتحاد الأوروبي والرباعية، وكذلك مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدول المجاورة لسوريا، مثل تركيا والأردن”
ردود فعل أخرى
وفي اطار رصد ردود الأفعال المختلفة في المانيا، قال متحدث باسم الخارجية الألمانية إن هيئة تحرير الشام ستلعب دوراً في مستقبل سوريا وإعادة تنظيمها شئنا أم أبينا، وأضاف أنه رغم تصنيف الهيئة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها، فإنه يجب الحكم على الجماعة بحسب أفعالها وأشار إلى أن الهيئة حاولت في الأشهر والسنوات الماضية أن تبعد نفسها عن أصولها الجهادية، وأن تبني أسساً مدنية، ما إذا كان يمكن أخذ هذه الجهود الآن بشكل جدي سيتضح خصوصاً من خلال تعاملهم مع المدنيين وتحديداً الأقليات في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
وفي الإطار الحزبي الألماني بدأت وعلى الفور أصوات تتعالى في الحزب المسيحي الديمقراطي مطالبة بإعادة اللاجئين السوريين الى سوريا، حيث صرح قياديين في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي يتصدر استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات المقبلة نهاية فبراير المقبل، مطالبين الحكومة بأن أن تبدأ بتسيير رحلات لإعادة اللاجئين إلى سوريا وأن مع توفير مبلغ 1000 يورو نقداً، لمن يقبل بالعودة، كما طالب بعض القياديين في الحزب بتنظيم مؤتمر إعادة إعمار وإعادة لاجئين خلال الأشهر القادمة.
كما صرح المتحدث باسم السياسة الداخلية للحزب المسيحي الديمقراطي ألكسندر ثروم أن الوضع في سوريا تغير بشكل جذري وأن هذا الأمر ينطبق على مَن فروا من الأسد وجاءوا إلى ألمانيا.
الجدير بالذكر ان الحزب المسيحي الديمقراطي هو حزب المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل والتي اتخذت القرار بقبول مئات الالاف من اللاجئين السوريين في المانيا في 2015م.
من جانب اخر دعا الحزب الاشتراكي الحاكم الذي ينتمي إليه المستشار شولتس وحزب الخضر المشارك في الحكومة، إلى ضرورة الانتظار والتأني فيما يخص اللاجئين السوريين، وصرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان النائب مايكل روث المنتمي للحزب الاشتراكي من استباق الاحداث والاستعجال في إعادة ترحيل السوريين، وحذر من الخطاب الشعبوي بأنه يتعين إعادة الجميع فوراً، وأضاف أنه يتخوف من أن يستخدم الحزب المسيحي الديمقراطي هذا الخطاب لكسب أصوات في الانتخابات المقبلة أسوة بحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف والمعادي للمهاجرين، وأضاف انه في الوقت الحالي لا أحد يعرف ما الذي سيحدث في سوريا.
الجدير بالذكر ان المانيا، وعدد من دول الاتحاد الأوروبي قد اتخذت قرارا بتجميد البت في طلبات اللجوء للسوريين في المانيا بسبب صعوبة معرفة حقيقة الوضع هناك، وهذا القرار يشمل 46 ألف طلب في المانيا، وقد صرحت السلطات المسؤولة ان هذا الاجراء لا يؤثر على من قد تم اتخاذ القرار بحقهم بالفعل.
كما صرح المبعوث الألماني الى سوريا بقيامه بالتواصل مع القيادات المحلية التي تشمل المسيحين والعلويين والسنة في سوريا وان رسالته الرئيسية لهذه الطوائف في سوريا بأن هذا ليس وقت المنتصرين والمهزومين، بل السلام والحوار وبأن الوقت قد حان للمصالحة ولمرحلة انتقالية بإشراف الأمم المتحدة حيث تُسمع وتُحترم أصوات السوريين، مضيفا انه لمس من الجميع استعداد للحوار والنقاش والتعيش دون انتقام او عداوة.
تعليق:
نظرا لموقف المانيا منذ بداية الاحداث واتخاذها موقفا صارما ضد نظام بشار الأسد، فإن تطورات الأوضاع متسقة مع رؤية المانيا للأوضاع في سورياـ وتصب بعدة اشكال في صالحها، مع الحذر الشديد في تقييم الموقف ومالاته ومستقبل سوريا وما اذا كانت القوى الموجودة على الأرض ستمثل بالفعل عامل استقرار للأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، والمثير للانتباه هو التصريحات الألمانية حول هيئة تحرير الشام والتي يظهر جليا تقبل المانيا لها وموقفها الحذر، ولكن الإيجابي، من خلال وصف الهيئة وقائدها بأنه ابعد نفسه عن التنظيمات المتطرفة وانه يمكن ملاحظة سلوك مؤسسي “يشبه الدولة” في إدارة الهيئة لمناطقها، مع ملاحظة ان المانيا لم تصنف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية مثلما فعلت عدد من الدول منها أمريكا وبريطانيا، وكل هذا يصب في تهيئة القبول والتعامل مع هذه السلطات الجديدة في سوريا.
من المبكر استشفاف التحركات الألمانية القادمة في سوريا، ولكن الاتفاق بين المستشار الألماني والرئيس الفرنسي على دعم القوى الجديدة في سوريا والتعامل معها مؤشر مهم لسير التعامل الأوروبي مع الوضع الجديد في سوريا، ويظهر واضحا ان المعايير التي يحرص عليها الألمان والأوروبيين ويعلنوها كمحدد رئيسي لتقييم الوضع والقوى الجديدة هو وضع الأقليات وحقوق الانسان.
سيكون هناك تأثيرات كبيرة جدا على الداخل الألماني مع ما يعنيه هذا التطور من اثار على ملف اللاجئين، خاصة مع قرب الانتخابات النيابية في فبراير القادم، ملف اللاجئين أحد المحددات الرئيسية للناخبين الالمان، ومن المهم الادراك ان جميع الأحزاب عبرت عن ارتياحها وكذلك عبرت بشكل او بأخر عن تأثير هذا التطور على وضع اللاجئين السوريين في المانيا، فقط اختلف مقدار الاستعجال في اتخاذ خطوات ما بين داعي الى اخذ خطوات سريعة واخر يدعو للتأني والانتظار.
في الأخير من المهم الإشارة الى انه سيكون هناك التزامات على المانيا خاصة فيما يخص قضايا إعادة الاعمار وتمويل إعادة اللاجئين وتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية لسوريا.

