تقرير حول نتائج الانتخابات الاتحادية الألمانية على السياسة الخارجية

مشاركة المقالة:

أُجريت الانتخابات الفيدرالية الألمانية في 23 فبراير 2025، وهي انتخابات مبكرة جاءت نتيجة انهيار ائتلاف “الإشارة الضوئية” الحاكم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD، حزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر FDP) في نوفمبر 2024 بسبب خلافات حول الميزانية وأزمة الحكومة. شهدت الانتخابات تحولات سياسية كبيرة، حيث تصدر الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU) بقيادة فريدريش ميرتس النتائج بنسبة 28.5%، فيما حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) قفزة ملحوظة بنسبة 20.8%. هذا التقرير يحلل كيف ستؤثر هذه النتائج على السياسة الخارجية الألمانية في ضوء التوجهات السياسية للأحزاب الفائزة والتحديات الجيوسياسية الراهنة.

السياق السياسي للانتخابات

جاءت الانتخابات في وقت تواجه فيه ألمانيا تحديات داخلية وخارجية كبيرة، منها الركود الاقتصادي المستمر منذ 2022، أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وتزايد الاستقطاب حول قضايا الهجرة بعد هجمات نسبت إلى مهاجرين. أدت هذه العوامل إلى تراجع شعبية الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس، حيث حصل الحزب الاشتراكي على 16.4% فقط، وهي أسوأ نتيجة له تاريخيًا. في المقابل، عززت الأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة مواقعها، مما ينذر بتغييرات محتملة في السياسة الخارجية.

نتائج الانتخابات وتوزيع القوى

الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CDU/CSU): 28.5% (208 مقاعد)، بزيادة عن 24.1% في 2021.

حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD): 20.8% (152 مقعدًا)، مضاعفًا نتيجته من 10.4% في 2021.

الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD): 16.4%، بانخفاض حاد عن 25.7% في 2021.

حزب الخضر: 11.6%، بانخفاض طفيف عن 14.7% في 2021.

حزب اليسار: 8.8%، بتحسن عن 4.9% في 2021.

الحزب الديمقراطي الحر (FDP): 4.3%، خارج البرلمان بعد أن كان عند 11.4% في 2021.

مع عدم حصول أي حزب على أغلبية مطلقة، سيتعين على الاتحاد تشكيل ائتلاف حكومي، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على توجهات السياسة الخارجية بناءً على الشركاء المحتملين.

التأثيرات على السياسة الخارجية الألمانية

  1. 1. العلاقات مع الولايات المتحدة وحلف الناتو

توجهات الاتحاد المحافظ: يرى الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن الولايات المتحدة هي الشريك السياسي الأهم عالميًا لألمانيا. مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية في يناير 2025، من المتوقع أن يدفع فريدريش ميرتس نحو تعزيز الشراكة عبر الأطلسي، ربما عبر زيادة الإنفاق الدفاعي لتلبية مطالب الناتو (2% من الناتج المحلي الإجمالي). لكن هذا قد يواجه مقاومة داخلية، حيث أظهر استطلاع يوجوف في نوفمبر 2024 أن 33% فقط من الألمان يؤيدون دورًا أكبر لألمانيا في قيادة الناتو.

التحدي الأمريكي: إذا نفذ ترامب تهديداته بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الأوروبية، فقد يضطر الاتحاد إلى اعتماد موقف أكثر حزمًا في التفاوض مع واشنطن، مع الحفاظ على التعاون الأمني.

  1. 2. موقف ألمانيا من الحرب في أوكرانيا

دعم مستمر مع تعديلات: تحت قيادة أولاف شولتس، قدمت ألمانيا دعمًا عسكريًا واقتصاديًا كبيرًا لأوكرانيا. الاتحاد المحافظ من المرجح أن يواصل هذا الدعم، لكنه قد يتبنى نهجًا أكثر براغماتية، خاصة إذا ضغط ترامب لتخفيف الالتزام الأوروبي لصالح تسوية تفاوضية مع روسيا. تصريحات ميرتس خلال الحملة تشير إلى تركيز على الأمن القومي الألماني بدلاً من التوسع في المساعدات.

تأثير حزب البديل (AfD): على الرغم من استبعاد AfD من الائتلاف الحكومي، فإن صعوده الكبير قد يضغط على الحكومة لتخفيف العقوبات على روسيا، وهو ما يتماشى مع برنامج الحزب الذي دعا إلى استعادة العلاقات الاقتصادية مع موسكو.

  1. 3. العلاقات مع الشرق الأوسط

دعم إسرائيل: يتبنى الاتحاد موقفًا تقليديًا مؤيدًا لإسرائيل، مما قد يعزز التعاون العسكري والدبلوماسي مع تل أبيب. من المتوقع أن تستمر ألمانيا في دعم حل الدولتين، لكن مع نهج أكثر تحفظًا تجاه الفصائل الفلسطينية في غزة، خاصة بعد تصاعد التوترات في المنطقة.

الشرق الأوسط الأوسع: مع سقوط النظام السوري في ديسمبر 2025، ستواجه الحكومة الجديدة تحدي إدارة تدفقات اللاجئين المحتملة إذا فرض الإسلاميون حكمًا متشددًا. كما ستسعى لتعزيز التعاون مع دول الخليج (الإمارات، السعودية، قطر) في مجالات الطاقة والاستدامة، وهو توجه يتماشى مع أولويات الاتحاد الاقتصادية.

  1. 4. السياسة الأوروبية

قيادة أوروبية أقوى: يسعى ميرتس إلى تعزيز دور ألمانيا كقائدة للاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية. قد يدفع نحو سياسات أكثر تشددًا حول الهجرة على مستوى الاتحاد الأوروبي، مستفيدًا من الدعم الشعبي المتزايد لهذا الموقف داخل ألمانيا.

علاقات مع فرنسا: قد تواجه العلاقات الألمانية-الفرنسية توترات بسبب اختلاف الرؤى، حيث يتبنى الاتحاد نهجًا أكثر تحفظًا مقارنة بالسياسات التقدمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

  1. 5. قضايا الهجرة والتأثير الخارجي

سياسات أكثر صرامة: استغل الاتحاد وAfD قضية الهجرة خلال الحملة، خاصة بعد هجوم أشافنبورغ الذي نفذه طالب لجوء مرفوض. من المرجح أن تدفع الحكومة الجديدة نحو تسريع الترحيل وتشديد شروط اللجوء، مما قد يؤثر على علاقات ألمانيا مع دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط كمصادر للهجرة.

التدخل الخارجي: حذرت السلطات الأمنية من تدخل روسي في الانتخابات عبر حملات تضليل، وهو ما قد يدفع الحكومة لاتخاذ موقف أكثر حذرًا تجاه روسيا، رغم ضغوط AfD العكسية.

التحديات والتوقعات

تشكيل الائتلاف: الخيار الأول لميرتس هو التحالف مع الحزب الاشتراكي (CDU/CSU-SPD)، لكن الخلافات حول الهجرة والطاقة قد تعقد المفاوضات. التحالف مع الخضر ممكن نظريًا، لكنه أقل احتمالًا بسبب التباين في السياسات البيئية والاقتصادية.

الاستقطاب الداخلي: نجاح AfD قد يحد من مرونة الحكومة في اتخاذ قرارات خارجية جريئة، خاصة إذا استمر الضغط الشعبوي.

الاقتصاد والجيوسياسية: الركود الاقتصادي وتهديد التعريفات الأمريكية قد يجبران ألمانيا على إعطاء الأولوية للاستقرار الداخلي على المغامرات الخارجية.

تشير نتائج انتخابات 2025 إلى تحول نحو سياسة خارجية أكثر تحفظًا وتركيزًا على الأمن القومي تحت قيادة الاتحاد المحافظ. ستظل ألمانيا ملتزمة بالناتو والاتحاد الأوروبي، لكن مع تعديلات في دعم أوكرانيا وسياسات الهجرة. العلاقات مع إسرائيل والخليج ستتعزز، بينما قد تشهد العلاقات مع روسيا توترات متزايدة رغم ضغوط داخلية معاكسة. بشكل عام، ستعكس السياسة الخارجية الألمانية توازنًا بين البراغماتية والاستجابة للتحديات الجيوسياسية المتسارعة في 2025.

مقالات ذات صلة

تقرير رصد السياسة الخارجية الالمانية تجاه الشرق الأوسط 5 مايو 2025

محتوى التقرير:   - رصد أهم تحركات السياسة الخارجية الألمانية. - تقرير حول دراسة مؤسسة SWP الألمانية عن سياسة الحكومة الإسرائيلية -...

تقرير رصد السياسة الخارجية الالمانية تجاه الشرق الأوسط

محتوى التقرير: - رصد أهم تحركات السياسة الخارجية الألمانية. - تقرير للخارجية الألمانية بعنوان استئناف القتال في غزة – ألمانيا...

تقرير حول مضمون دراسة SWP “القرن الأفريقي: حان وقت الدبلوماسية الوقائية”

اسم الكاتب: Gerrit Kurtz رابط الدراسة: https://www.swp-berlin.org/en/publication/horn-of-africa-time-for-preventive-diplomacy تاريخ النشر: 22 مارس 2025 المصدر: معهد Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP) - المعهد...

زيارة الملك عبد الله الثاني إلى برلين ومشاركته في القمة العالمية الثالثة للإعاقة

في يوم الأربعاء الموافق 2 أبريل 2025، وصل جلالة الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، إلى...