بعد أيام قليلة فقط من الانتخابات، تجتمع أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، لإجراء محادثات استكشافية حول إمكانية اقامة ائتلاف بين هذه الأحزاب لتشكيل الحكومة الاتحادية القادمة. لكن قائمة نقاط الخلاف طويلة، والحزب الاشتراكي الديمقراطي يؤكد بوضوح: “لن يكون هناك تحالف بأي ثمن.”
وكانت نتيجة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 23 فبراير قد أظهرت تقدم الاتحاد المسيحي الذي يضم حزبي الديمقراطي المسيحي(CDU) ، والاجتماعي المسيحي (CDU)، حيث حصلا على المركز الأول بنسبة 28.6 في المئة من الأصوات فيما جاء حزب البديل من اجل ألمانيا اليميني ( AFD)، في المركز الثاني بحصوله على اكثر من 20 في المئة من الأصوات بينما جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المركز الثالث بنسبة 16.4 في المئة وحصل حزب الخضر على نسبة 11.6 في المئة بينما حقق حزب البسار نتيجة مفاجأة بحصوله على 8.8 في المئة من الأصوات في حين كان كثير من الخبراء والمراقبين يتوقعون عدم تجاوز الحزب لحاجز 5 في المئة اللازم لدخول البرلمان الاتحادي ( البوندستاج)، وهو ما لم يتمكن الحزب الديمقراطي الحر (FDP )، وحزب تحالف سارة فاجنكنشت ( BSW)، من تجاوزه وبقيا خارج البرلمان الألماني.
وبهذه النتيجة تنحصر التحالفات الممكنة لتشكيل حكومة جديدة بتحالف الاتحاد المسيحي مع الحزب الاشتراكي، وهو التحالف المقبول والمتوقع، وتحالف الاتحاد المسيحي مع حزب الخضر وحزب اليسار لكن الاختلافات العميقة بين هذه الأحزاب ورفض أطراف في الحزب الاجتماعي المسيحي (CSU)، للتحالف معها لا يتيح إمكانية لإقامة تحالف فيما بينها، فيما يبقى الخيار الأخير في تحالف الاتحاد المسيحي مع حزب البديل من اجل ألمانيا وهو ما يرفضه الاتحاد المسيحي بشكل قاطع. وبذلك لا يبقى متاحاً امام الاتحاد المسيحي الا التحالف مع الحزب الاشتراكي.
ويهدف الاجتماع بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الى وضع الخطوط العريضة الأولية وجدول زمني لمفاوضات التحالف، حيث أكد رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، مرارًا وتكرارًا أنه لا يريد إضاعة الوقت نظرًا للتحديات الكبيرة التي تواجه البلاد، ويسعى إلى تشكيل الحكومة بحلول عيد الفصح. من جانبه، قال نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق، رالف ستيجنر،”لا يمكننا تحمل ترف التباطؤ لأسابيع بالنظر إلى الوضع العالمي الحالي.” لكنه شدد في الوقت ذاته على أن المفاوضات ستكون صعبة، لأن هناك اختلافات جوهرية بين الأحزاب في العديد من القضايا.
يُعد أحد أصعب النقاط في المحادثات الاستكشافية مطلب ميرتس بفرض إعادة طالبي اللجوء على حدود ألمانيا. ويرى الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) حتى الآن أن هذا الإجراء لا يتوافق مع الدستور الألماني والقانون الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تسعى أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) إلى استبدال إعانة البطالة والتي تسمى (Bürgergeld) بنظام “ضمان أساسي جديد”، مع فرض عقوبات صارمة على من يرفضون تمامًا التعاون في البحث عن عمل، حيث سيتم إيقاف المساعدات المالية بالكامل عنهم. في المقابل، يتمسك الحزب الاشتراكي بنظام Bürgergeld، لكنه يؤيد في الوقت نفسه فرض رقابة مشددة لضمان قبول العاطلين عن العمل للعروض الوظيفية المتاحة. كما يصر الحزب الاشتراكي الديمقراطي على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 يورو للساعة، ويطالب أيضًا بضمان الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية عند مستوى لا يقل عن 48% من متوسط دخل العمال على المدى الطويل.
كما لا تزال هناك خلافات كبيرة بين الجانبين فيما يتعلق بالضرائب: إذ تسعى أحزاب الاتحاد المسيحي إلى إلغاء ضريبة التضامن (Soli) ورفع الحد الأدنى لشريحة الدخل الخاضعة لأعلى معدل ضريبي بشكل كبير. في المقابل، يريد الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) خفض ضريبة الدخل لـ 95% من دافعي الضرائب، لكن أصحاب الدخول المرتفعة ينبغي أن يساهموا بشكل أكبر.
كما يُتوقع أن يكون هناك نقاش محتدم حول ما إذا كان ينبغي تخفيف “قاعدة الحد من الديون” (Schuldenbremse). إذ يضغط الحزب الاشتراكي الديمقراطي من أجل إصلاح هذه القاعدة، وذلك من أجل زيادة الإنفاق على الدفاع، من بين أمور أخرى. لكن أحزاب الاتحاد ليست مستعدة للتفاوض بشأن قاعدة الحد من الديون. حيث أكد ثورستن فراي، المدير البرلماني لكتلة الاتحاد في البرلمان، أن
“قاعدة الحد من الديون ستبقى كما هي.”