قامت وزيرة الخارجية الالمانية السيدة Annalena Baerbock بالزيارة الاولى لها لمنطقة الشرق الأوسط من 9 الى 12 فبراير 2022م، وتأتي الزيارة لأربع دول في المنطقة وهي إسرائيل والأراضي الفلسيطينية والأردن ثم مصر، في إطار إهتمام المانيا بالوضع في المنطقة و إهتمامها بعلاقاتها الثنائية مع هذه الدول، وقد قالت الوزيرة في بيان صادر قبيل الزيارة ” “أود في رحلتي إلى الشرق الأوسط أولاً أن أؤكد أن ألمانيا لا تزال شريكًا قويًا وموثوقًا به. الحكومة الألمانية الجديدة لا تتوانى عن التزامها بالسلام والأمن لشعوب المنطقة. نحن مقتنعون بأن حماية حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من ذلك، لأن الاستقرار على المدى الطويل لا يمكن أن يوجد إلا عندما يتوافر للناس الأمن وفرصة المشاركة السلمية.”
كما اضافت في نفس البيان ” لقد جعلت إسرائيل عمدا أول محطة وصول لي، حيث يشكل البناء على العلاقات الفريدة والوثيقة والمتنوعة التي نتمتع بها مع إسرائيل أولوية قصوى للحكومة الفيدرالية. إننا نقف امام مسؤوليتنا التاريخية الخاصة عن أمن إسرائيل وسنواصل العمل لتحقيق هذه الغاية بروح من التضامن” اشار البيان الى أن قضية السلام هي المحور الرئيسي التي ستركز عليه في رحلتها مؤكدة على أن المانيا ملتزمة بحل الدولتين المتفاوض عليه كمدخل لهذا السلام، وبأنه يجب أن يكون هناك دولة فلسطينية فاعلة وديمقراطية وذات سيادة في المستقبل مشيرة إلى أن محادثاتها في رام الله سوف تركز على الدعم الالماني في مجال سيادة القانون وتنظيم الإنتخابات وبناء المؤسسات، وقالت في البيان بأن الاردن شريك مهم لالمانيا وانه يتحمل اعباء كبيرة في إستضافة ملايين اللاجئين من دول الجوار، معبره عن إهتمام المانيا بوجود اردن قوي ومزدهر وامن، وانطلاقا من كون المانيا ثاني أكبر مانح للمساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي فإنها ستستمر في دعم الأردن وتعتمد على حكمة هذا البلد في العمل الدبلوماسي في المنطقة.
كما اشارت في بيانها الى ان مصر شريك مهم في الصراع في الشرق الأوسط وفي قضايا المناخ التي لم تعد هامشية.
اسرائيل: قامت السيدة Baerbock بزيارة ياد فاشيم النصب التذكاري لضحايا المحرقة، وفي اثناء الزيارة إتسمت تصريحاتها بالصراحة والتمسك بموقف المانيا بالوصول إلى السلام عبر حل الدولتين المتفاوض عليه، كما تحدثت عن أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل وأنتقدت بوضوح سياسة الإستيطان هذا كله يمثل إمتداد للسياسة الالمانية حيال إسرائيل في الفترة
الماضية مع التأكيد على الصداقة بين البلدين والتشديد على مسؤولية المانيا عن أمن إسرائيل.
وفي المباحثات بين وزيري الخارجية تم بحث أحد الإشكاليات المهمة في العلاقات والتي تتمثل في تصنيف إسرائيل في العام 2021م لست منظمات غير حكومية فلسطينية تدعمها المانيا كمنظمات إرهابية، وهو ما طلبت المانيا في حينه أدلة عليه. وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي بأن هذه المشكلة سيتم مناقشتها في المباحثات مع وزيرة الخارجية الالمانية.
ومن القضايا التي تم بحثها قضية توريد الأسلحة الالمانية إلى إسرائيل ومن ضمنها صفقة غواصات في الفترة الأخيرة وهو ما اشير اليه من الجانب الالماني بأنه ضمن التزام المانيا بأمن دولة إسرائيل، وعلقت اثناء الزيارة بأن الحكومة الالمانية تعمل على تنظيم عملية تصدير الأسلحة بصورة تقيد هذا التصدير إلى دول النزاعات، إلا انها أضافت بأن بإمكان إسرائيل ان تعتمد على المانيا في هذا الخصوص لثقة المانيا التامة في النظام القانوني الإسرائيلي.
فلسطين: وفي فلسطين التقت السيدة Baerbock بالرئيس الفلسطيني وأطلقت من هناك نداء للفصائل الفلسطينية بأهمية الحوار واستئناف العمل السياسي، وتعتبر المانيا أكبر مانح لفلسطين ، كما التقت في فلسطين بوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي وصرحت بأن الأراضي الفلسطينية على رأس إهتمامات السياسة الخارجية الالمانية موضحة بأن تحسن الوضع يتطلب تحسن المشاركة السياسية واشارت إلى ان تحسين وضع المؤسسات والديمقراطية والإنتخابات المبكرة سيكون لها أثر كبير في نجاح الوصول إلى حل الدولتين المتفاوض عليه.
وقالت في تصريح لها من الأراضي الفلسطينية ” كانت هناك في الآونة الأخيرة خطوات تقارب مع إسرائيل. الاقتراب من بعضنا البعض يتطلب الشجاعة دائمًا. نود أن نشجعكم على المضي قدما بعزم على هذا الطريق. إنه يستحق كل هذا العناء من أجل الناس والسياسة الأمنية والاقتصاد.”
ومن المهم ملاحظة ان المانيا اليوم هي أكبر مانح ثنائي لفلسطين وخاصة في مجال التعاون التنموي، والشرطي وحقوق الإنسان.
الأردن: حرصت السيدة Baerbock في لقاءها مع نظيرها الأردني على الإشارة إلى ان المانيا كثاني أكبر مانح ثنائي للأردن حريصة على تقديم المساعدة للجميع في الأردن لتوفير فرص عيش أمن بغض النظر عن أصولهم، وزارت مخيم الطالبية وتحدثت مع عدد من شباب المخيم، وأشادت بجهود الأردن لإستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين.
تركزت المحادثات مع الأردن على قضية السلام في الشرق الأوسط بالإضافة الى مجالات التعاون في قضايا المناخ.
مصر: إلتقت وزير الخارجية الالمانية في هذه الزيارة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بالإضافة الى بوزير الخارجية المصري سامح شكري وركزت الزيارة على بحث قضية السلام في الشرق الأوسط.
وقالت السيدة Baerbock اثناء المباحثات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري ” تبادل صريح وصادق حول القضايا الإقليمية وحول المجالات الجديدة حيث يمكن لألمانيا و مصر العمل معًا. خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسة الطاقة والمناخ، لدينا الفرصة لتوسيع تعاوننا بشكل أكبر” كما اشارت إلى انها تحدثت معه عن وضع حقوق الإنسان معبرة عن إيمان
المانيا انه من الصعب ان يتواجد الأمن والإستقرار إلا بوجود مشاركة سياسية فعالة.
من المهم ملاحظة التطورات الأخيرة في العلاقات بين مصر والمانيا حيث انتقدت الخارجية الالمانية قبل فترة بسيطة وفي بداية فترة وزير الخارجية الالمانية الجديدة وضع حقوق الإنسان في مصر و اصدرت الخارجية الالمانية بيانا طالبت فيه بتبرئه الناشط المصري محمد الباقر، وهو ما نتج عنه بيان من الخارجية المصرية شديد اللهجة يؤكد على ضرورة إحترام عمل وقرار القضاء المصري.
الرأي: هذه أول جولة لوزيرة الخارجية الالمانية في المنطقة وقد ركزت أولا على إظهار وتأكيد العلاقات المميزة مع إسرائيل وتأكيد المكانة الخاصة لها في السياسة الخارجية الالمانية بالإضافة الى استمرار المانيا في نهجها بالتمسك بحل الدولتين وانتقاد التوسع في الإستيطان، هذه الزيارة أكدت ان هذه الركائز للسياسة الخارجية الالمانية لازالت قائمة.
حاولت السيدة Baerbock في الزيارة استكشاف وضع عملية السلام في الشرق الأوسط وما يمكن ان تقدمه المانيا في سبيل الدفع بهذه العملية، ووفقا للمعطيات العالمية الحالية لا يتوقع ان يكون هناك اختراق توعي لالمانيا في هذه القضية، إلا ان مواقفها ووزنها لدى دول المنطقة يجعل منها لاعبا رئيسيا ومهما في سير الأحداث.

