قدم الباحث الألماني MATTHEW KARNITSCHNIG ورقة نشرتها منظمة Konrad Adenauer تتناول ضرورة رسم سياسة خارجية جديدة لألمانيا مؤكدا على أن المانيا على مفترق طرق يتطلب التغيير مشيرا إلى الطبيعة الألمانية التي لا تحبذ التغييرات إلا ان ما وصفه بإنتهاء مرحلة ميركل تتطلب التغيير.
تشير الورقة البحثية إلى ان 80% من الألمان عبروا عن إرتياحهم للسياسة الخارجية لبلادهم في مرحلة ميركل وبأن 60% منهم يشعرون أن بلادهم سيستمر نفوذها في مرحلة ما بعد ميركل، والأكيد ان التغييرات الدولية ستقود المانيا الى ضرورة التحرك بصورة مختلفة حيث يصف الباحث إدارة ميركل للسياسة الخارجية بأنها تجنبت اتخاذ القرارات وإبقاء العلاقات الخارجية في مستوى ” لا يوجد ما يثير القلق” وذلك حتى مع دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، وضرب مثلا على هذه السياسة فيما يتعلق بمشروع ” نورد ستريم2″ وتأكيد ميركيل بأنها صفقة تجارية يجب ان تبقى بعيدا عن السياسة، وكذا أشار الى السياسات الألمانية في غرب البلقان و أوكرانيا على أنها تأتي في نفس السياق، مؤكدا أن أسلوب ميركل في إدارة السياسة الخارجية الألمانية ترك إرثا لخليفتها لن يجد أمامه سوى التعامل معه وضرورة التحرك وإتخاذ قرارات بغض النظر عن إرتياح الألمان لحالة الهدوء التي سادت السياسة الخارجية في فترة ميركل .
يشير الباحث إلى أن في الفترة المقبلة سيكون من الصعب الإستمرار في التوافق والتوزان مع عدد من القوى العالمية، فالعلاقة التجارية المستمرة مع الصين بغض النظر عن سلوكها السياسي سيكون من الصعب استمرارها بنفس النسق، خاصة مع التصعيد في هونج كونج وزيادة حدة الصراع الدولي، مشيرا الى ان 70% من الألمان يرون ان أمريكا أكثر أهمية من الصين بالنسبة لألمانيا بينما يرى 20% ان الصين أكثر أهمية، و الأكيد أن على المانيا ان تكون حذرة فالصين هي ثاني أكبر سوق للتصدير الألماني بعد الولايات المتحدة، وهناك استثمارات لعقود مضت بين البلدين.
أشار الباحث إلى ان احد المتغيرات المهمة هو العلاقات الأطلسية، مشيرا إلى العودة إلى مربع العلاقات المريحة بين المانيا و امريكا عقب فترة صعبة في عهد الرئيس ترامب، إلا أن الرئيس بايدن والذي شكل صعوده بلا شك انتعاشا للعلاقات، تصرف في افغانستان بطريقة ” ترامبية” حيث إنسحب دون التباحث مع الحلفاء الأوروبيين، وبصورة عامة وبرغم التحسن في العلاقات بصعود بايدن وترحيب القيادات الألمانية بذلك، إلا أن المانيا اقتنعت بأن عليها أن لا تعتمد كثيرا على التحالف الأطلسي، وهو ما عبرت عنه السيدة ميركل سابقا بأن على أوروبا أن تعتمد على نفسها و أن يكون لديها سياسة خارجية وأمنية و دفاعية مستقلة وأكثر نشاطا خاصة على الساحة الدولية، وجاءت التحركات الأمريكية المنفردة في افغانستان لتعزز هذه القناعة الألمانية برغم عودة الدفء للعلاقات.
ويشير الباحث في هذا الصدد ان إستطلاعات الرأي تشير الى قناعة الألمان بأن الحليف الأمريكي لا زال هو الأهم خاصة من الناحية الإقتصادية والأمنية، ويشير الباحث ان السياسة الخارجية الألمانية تترجم ذلك بتمسكها بحلف النيتو برغم الجدل المستمر والضغط الأمريكي لرفع المنفقات الدفاعية الى 2% .
يعيد الباحث التأكيد على أن المانيا ستواجه في الفترة المقبلة حتمية أخذ مواقف اكثر قوة، وأنه سيكون على السياسة الخارجية الألمانية أخذ مواقف أقوى حيال السياسات في دول مثل بولندا والمجر والتي تضعف العملية الديمقراطية فيها، وبصورة أكبر سيكون عليها أخذ مواقف حيال الصين وروسيا، ويشير الباحث الى ان هذا لا يفترض ان يدعو للقلق أو الإحجام، بل أنها ستكون فرصة إيجابية لتلعب أكبر دولة في أوروبا دورا أكثر فعالية وتفرض نفسها بحجمها الحقيقي على الساحة الدولية.

